الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:
فإن النميمة خطرها عظيم، فهي السبب في كل خلاف وفرقة بين المتآلفين والمتآخين، وهي دليل على دناءة صاحبها، وهي الحالقة التي حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منها حينما قال: «إياكم وسوء ذات البين، فإنها الحالقة» [رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله، رقم (2508)]. أي التي تحلق الدين. وهي طريق موصل إلى النار، لهذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم وبالغ في التنفير منها، وسنأخذ حديثًا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان خطر النميمة.
نص الحديث:
عن واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه بلغه أن رجلًا ينم الحديث، فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة نمام». [رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، رقم (105)].
المعنى الإجمالي:
يتوعد النبي صلى الله عليه وسلم من ينقل كلام الناس بعضهم إلى بعض لقصد الإفساد بينهم، ويزجره عن نمه الحديث، فيخبر أنه لا يدخل الجنة.
تعريف النميمة:
قال النووي رحمه الله: النميمة هي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد [الأذكار للنووي ص299]. وقال ابن حجر رحمه الله: قال في الإحياء: وهذا هو الأكثر، ولا يختص بذلك بل هي كشف ما يكره كشفه، سواء أكرهه المنقول عنه، أو إليه، أو ثالث، وسواء كان كشفه بقول، أو كتابة، أو رمز، أو إيماء، وسواء في المنقول كونه فعلًا، أو قولًا عيبًا، أو نقصًا في المقول عنه، أو غيره، فحقيقة النميمة إفشاء السر، وهتك الستر عما يكره كشفه. [الزواجر (2/ 25)].
مَن هو النمام؟
هو الذي يتحدث مع القوم فينم عليهم، فيكشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو الثالث- أي النمام، وسواء أكان الكشف بالعبارة أو بالإشارة أو بغيرهما. [التعريفات للجرجاني ص302].
حكم النميمة:
النميمة كبيرة من الكبائر، وهي حرام بإجماع المسلمين، وقد تظاهرت على تحريمها الدلائل الشرعية من الكتاب والسنة، وقد أجيب عما يوهم أنها من الصغائر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «وما يعذبان في كبير». بأن المراد ليس بكبير تركه عليهما، أو ليس بكبير في زعمهما، ولهذا قيل في رواية أخرى: «بلى إنه كبير». [انظر الكبائر ص163].
ومن تلك الأدلة المتظاهرة على تحريم النميمة، قوله تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم: 11-12]، وقال تعالى: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]. قيل: أنها كانت نمامة حمَّالة للحديث [إحياء علوم الدين (3/ 164)]. وقال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهمزة: 1] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم ما العَضْهُ؟ هي النميمة القالة بين الناس». [رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحرم النميمة، رقم (2606)].
وعن ابن عباس أنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير» ثم قال: «بلى، أما أحدهما: فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر: فكان لا يستتر من بوله». [رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب عذاب القبر من الغيبة والبول، رقم (1378) واللفظ له. ومسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، رقم (192)].
وعن همام بن الحارث رضي الله عنه قال كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير، فكنا جلوسًا في المسجد.. فقال القوم: هذا ممن ينقل الحديث إلى الأمير. قال فجاء حتى جلس إلينا. فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة قتات». [رواه البخاري في كتاب الأدب، باب ما يكره من النميمة، رقم (6056). ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، رقم (105) واللفظ له].
والقتات هو النمام.
وهذا لقمان يوصي ابنه بعدم سماع قول كل ساعٍ وباغٍ، فيقول لابنه: بابني! أوصيك بخلال إن تمسكت بهنَّ لم تزل سيدًا: ابسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم، واحفظ إخوانك، وصل أقاربك، وآمنهم من قول ساعٍ، أو سماع باغٍ، يريد فسادك، ويروم خداعك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك. [إحياء علوم الدين (3/ 167)].
وقال الشاعر محذرًا من النميمة:
تنح عن النميمة واجتنبها *** فإنَّ النم يحبط كـل أجر
يثير أخو النميمة كل شر *** ويكشف للخلائق كل سر
ويقتل نفسه وسواه ظلمًا *** وليس النمُّ من أفعال حر
[موارد الظمآن لعبد العزيز السلمان (5/ 10)]
بواعث النميمة:
البواعث على النميمة أمور عديدة منها:
1- إرادة السوء بالمحكي عنه.
2- الحب للمحكي له.
3- الفرح بالخوض في الفضول. [الزواجر لابن حجر (2/ 25)].
كيفية التعامل مع النمام:
ينبغي على كل من نقلت إليه نميمة وقيل له: قال فيك فلان كذا وكذا، أن يتبع النصائح التالية:
الأول: ألاَّ يصدقه؛ لأنه نمام فاسق، وهو مردود الشهادة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6].
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله، قال تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} [لقمان: 17].
الثالث: أن يبغضه في الله، فإنه بغيض عند الله، والبغض في الله واجب.
الرابع: ألاَّ يظن في المنقول عنه السوء، لقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12].
الخامس: ألاَّ يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن تحقق ذلك مصداقًا لقوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].
السادس: ألَّا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمة. [انظر إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 165 – 166)].
علاج النميمة:
يمكن علاج النميمة بطريقتين: على سبيل الأجمال، وذلك بأن يعلم النمام أنه قد تعرض بها لسخط الله تعالى وعقوبته، وأنها تحبط حسناته، وبأن يتدبر المرء في عيوبه ويجتهد في التطهر منها، وأن يعلم أن تأذي غيره بالغيبة أو بالنميمة كتأذيه بها، فكيف يرضى لغيره ما سيتأذى به؟ وأما على سبيل التفصيل فيتلخص في النظر في بواعثها فتقطعها من الأصل؛ إذ علاج العلة إنما يكون بقطع سببها، وألاَّ يعتقد المرء في أخيه سوءًا، وأن يبادر إلى التوبة بشروطها. [الزواجر لابن حجر باختصار (2/ 25)].
الحالات التي تجوز فيها النميمة:
الأصل في حكم النميمة التحريم، وذلك لأنها مفسدة لا مصلحة فيها، وأما إذا كان فيها مصلحة، أو دعت الحاجة إليها فلا مانع منها، وذلك كأن يعلم إنسان بأن فلانًا يريد الفتك بأخيه فيجوز له أن يخبره بذلك ليحتاط وليأخذ حذره. وكذلك إذا علم أن شخصًا يريد بأهل أو بمال شخص آخر شرًّا، فله أن يخبر الإمام أو من له ولاية بأن فلانًا يفعل كذا، أو يريد أن يفعل كذا ليمنعه الإمام عن فعله ذلك، بل قد يكون إخباره بذلك واجبًا أو مستحبًّا على حسب الحالة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
المصدر: موقع إمام المسجد.